إقبال على سندات المخاطر رغم التحذيرات- تقييمات الائتمان مبالغ فيها؟

المؤلف: بلومبرغ08.08.2025
إقبال على سندات المخاطر رغم التحذيرات- تقييمات الائتمان مبالغ فيها؟

يشهد سوق الديون الأمريكية تحولًا ملحوظًا، حيث يتزايد إقبال المستثمرين على السندات ذات المخاطر العالية، وتحديدًا تلك المصنفة ضمن نطاق (CCC)، على الرغم من التحذيرات المتكررة التي يطلقها كبار الخبراء الماليين، وعلى رأسهم جيمي ديمون، بشأن المبالغة في تقييمات الائتمان. هذا الإقبال يعكس رغبة جامحة في تحقيق عوائد مجزية، حتى وإن كانت مصحوبة بمخاطر جمة.

فقد حققت هذه السندات، التي تعتبر من بين الأكثر خطورة في السوق، مكاسب ملحوظة بلغت 0.75% منذ بداية الشهر الجاري وحتى يوم الخميس، لتتفوق بذلك على أداء جميع فئات التصنيف الأخرى، بما في ذلك السندات التي تتمتع بتصنيف جدير بالاستثمار، والتي تعتبر ملاذًا آمنًا نسبيًا للمستثمرين. هذا الأداء الاستثنائي يعكس شهية متزايدة للمخاطرة بين المستثمرين، مدفوعة بالبحث المضني عن العوائد المرتفعة.

في المقابل، سجّلت السندات الرديئة الأعلى تصنيفاً، وتحديدًا تلك المصنفة ضمن درجة (BB)، الأداء الأسوأ بين الديون المصنفة بأنها للمضاربة، مما يشير بوضوح إلى أن المستثمرين يتخلّون تدريجيًا عن السندات الأقل مخاطرة، التي كانت تعتبر خيارًا مفضلًا في أوقات عدم اليقين، ويتجهون نحو السندات التي توفر عوائد أعلى، حتى وإن كانت تنطوي على مخاطر أكبر.

انعكاس لاتجاهات السوق


يمثل هذا التحوّل انقلابًا على ما شهده السوق في شهري مارس وأبريل، عندما أدت مخاوف المستثمرين من السياسات التجارية التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى تفضيل السندات المصنفة عند درجة (BB)، حيث حققت آنذاك أفضل أداء ضمن فئة السندات الرديئة. أما الآن، ومع انحسار تلك المخاوف وتجاوز سوق الأسهم مستويات قياسية جديدة، أصبح المستثمرون أكثر جرأة واستعدادًا لتحمّل المخاطر، في ظل توقعات بتحقيق مكاسب كبيرة.

وعلّق روبرت تيب، كبير إستراتيجيي الاستثمار لدى "بي جي آي إم فيكسد إنكم" (PGIM Fixed Income)، قائلاً: "مع تزايد ثقة المستثمرين، بدأوا في التوجّه نحو الاستثمارات التي تنطوي على مخاطر أعلى، سعيًا وراء تحقيق عوائد مجزية تفوق تلك التي توفرها الأدوات الاستثمارية التقليدية".

ورغم هذا التوجه الواضح، لا يزال العديد من المراقبين الماليين غير مقتنعين بأن الوضع الائتماني يتحسن بالقدر الذي يعكسه هذا الإقبال على السندات عالية المخاطر. فقد صرّح جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ"جيه بي مورغان تشيس آند كو" (JPMorgan Chase & Co.)، هذا الأسبوع بأن فوارق أسعار الائتمان "منخفضة بشكل غير طبيعي"، وذلك بعد شهر واحد فقط من تصريحه بأنه لو كان مدير صندوق، لما أقدم على شراء الائتمان في ظل هذه الظروف.

تقليص الاستثمارات في السندات مرتفعة العائد


من جانبه، كشف جيف غوندلاش، الرئيس التنفيذي لـ"دبل لاين كابيتال" (DoubleLine Capital)، في الشهر الماضي أن شركته قد خفّضت مخصصاتها للسندات عالية العائد إلى أدنى مستوياتها تاريخيًا، معتبرًا أن التقييمات الحالية لا تعكس حجم المخاطر الكامنة في هذه السندات.

وفي هذا السياق، بدأ بعض المشترين الذين يفضلون تجنب المخاطر ببيع السندات الرديئة والاتجاه نحو الديون ذات التصنيف المرتفع، التي تعتبر أكثر أمانًا واستقرارًا. وقد تقلّص الفارق بين السندات مرتفعة العائد المصنفة عند (BB) والسندات المصنفة عند الدرجة الاستثمارية (BBB) إلى 75 نقطة أساس فقط، مقارنة بمتوسط يبلغ 1.2 نقطة مئوية خلال العقد الماضي، مما يعني أن المستثمرين يمكنهم الآن شراء سندات (BBB) من الشركات الكبرى والحصول على فارق لا يقل بشكل كبير عن الديون المصنفة عند الدرجة (BB). 

وأوضح راجيف شارما، العضو المنتدب في قسم استثمارات الدخل الثابت لدى "كي برايفت بنك" التابع لـ" كي بنك" (KeyBank’s Key Private Bank): "أصبحت سندات (BB) أقل جاذبية في الوقت الحالي، سواء بالنسبة للمشترين الذين يرغبون في تحمل المخاطر، أو بالنسبة لأولئك الذين يفضلون الارتقاء بالجودة للتخفيف من تأثيرات أي حالة من عدم اليقين".

وأضاف شارما: "إن السندات ذات التصنيف (BB) عالقة في المنتصف، فهي لا تقدم الفوائد المرتبطة بالمخاطرة والعائد التي يمكن الحصول عليها من الفئات الأخرى من التصنيفات. فهي لا توفر العوائد الكبيرة التي تتيحها السندات ذات التصنيف (CCC)، ولا تمتلك الأمان الذي توفره سندات (BBB)، وبالتالي فهي تعتبر متخلفة بعض الشيء عن الركب". 

تأثير صناديق المؤشرات المتداولة


ونوّه شارما إلى أن صناديق المؤشرات المتداولة العالمية تؤثر أيضًا في أداء السندات المصنفة عند (BB). فقد استحوذت هذه الصناديق على أكبر قدر ممكن من السندات مرتفعة المخاطر الأعلى تصنيفًا، مما أدى إلى خلق حالة من "التجارة المكتظة" في هذه المجموعة، وهناك قلق متزايد من أنه إذا اضطرت هذه الصناديق إلى بيع الأوراق المالية لتصفية الأصول، فإن السندات المصنفة BB ستكون أول من يعاني.

 كما يمكن أن تتأثر سندات (BB) أيضًا بالشركات المصنفة عند درجة جديرة بالاستثمار والتي تفقد تصنيفها لتنخفض إلى فئة الديون الرديئة. فقد أدى اعتزام "وارنر براذرز ديسكفري" (Warner Bros. Discovery Inc.) تقسيم الشركة إلى وحدتين منفصلتين وخفض تصنيفها الائتماني لاحقًا، إلى دخول مليارات الدولارات من الديون إلى سوق سندات (BB) هذا الشهر، مما أضاف المزيد من الضغوط على هذه الفئة من السندات.

وقالت كيلي بورتون، العضوة المنتدبة المعنية بالاستثمارات الأمريكية عالية العائد لدى "بارينغز" (Barings): "عندما تأتي إلينا شركات كبرى، نحتاج إلى تحديد مدى قدرة السوق على استيعاب هذه الشركات، وما إذا كانت ستتسبب في اختلال فني في السوق".

إشارات إيجابية من ترمب والاقتصاد


وسط هذه التحولات المعقدة، تلقى المستثمرون بعض الإشارات الإيجابية خلال الأسبوع الماضي، إذ صرّح الرئيس ترمب يوم الأربعاء بأنه لا يعتزم إقالة جيروم باول من رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، على الرغم من التقارير الإعلامية التي أشارت إلى عكس ذلك. كما أظهرت البيانات الاقتصادية أداء جيدًا نسبيًا في ظل المفاوضات المستمرة بشأن الرسوم الجمركية. ومجددًا، سجلت الأسهم الأمريكية مستويات قياسية جديدة، كان أحدثها يوم الخميس، مما عزز من معنويات المستثمرين.

وقال بيل زوكس، مدير المحفظة في "برانديواين غلوبال إنفستمنت مانجمنت" (Brandywine Global Investment Management): "تشير سوق الأوراق المالية إلى أن احتمال حدوث ركود اقتصادي ليس مرتفعًا في الوقت الحالي. ويبدو أن هذا ينسجم مع توجهات المستثمرين الملتزمين بالاستثمار في الأدوات عالية العائد، الذين ينتقلون من (BB) إلى (B)، أو إذا أراد المستثمر أن ينتقل إلى جودة أعلى، فلماذا لا ينتقل إلى السندات ذات تصنيف (BBB) بدلاً من تلك المصنفة عند (BB)".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة